(6) قراءة بلاغية في آيات الصيام ومظاهر التيسير في هذه الشعيرة المباركة ، بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

(6) قراءة بلاغية في آيات الصيام ومظاهر التيسير في هذه الشعيرة المباركة ، قلم الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
(6) قراءة بلاغية في آيات الصيام ومظاهر التيسير في هذه الشعيرة المباركة ، بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
وللقراءة كما يلي:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
(6) قراءة بلاغية في آيات الصيام
ومظاهر التيسير في هذه الشعيرة المباركة
1. لماذا شرع اللهُ الرخصةَ لأصحاب الأعذار الطارئة والدائمة؟ وما الذي نتعلمه من ذلك في كل زمان ومكان؟.
2. لماذا جاء الصيام بين الإيمان والتقوى؟
3. ولماذا وضع الله آية الدعاء بين آيات الصيام؟
بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
عبد الله:
إذا أجاب الله دعاءك فهو يزيد من إيمانك، وإذا تأخر في الإجابة فهو يزيد من صبرك، وإذا لم يجبك فهو يدخر لك الأجمل والأفضل والأعظم، فثق بالله تعالى وارض بما قَسَمَ..
وما سبق يحمل معاني عميقة في الثقة بالله وحكمته في تدبير الأمور. فالإيمان الحقيقي يظهر في الرضا بقضاء الله، سواء أدركنا الحكمة في الحال أم بعد حين. وكما قال سيدنا محمد (ﷺ): (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَر، فَكانَ خَيْرًا له)( ) (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.)
والثقة بالله لا تعني أن كل شيء سيحدث كما نريد نحن، بل تعني الإيمان بأن الله يختار لنا الأفضل دائمًا، حتى لو لم نفهم ذلك في اللحظة الراهنة.
مظاهر التيسير في شعيرة الصيام
لماذا شرع اللهُ الرخصةَ لأصحاب الأعذار الطارئة والدائمة؟ وما الذي نتعلمه من ذلك في كل زمان ومكان؟.
نصَّ القرآن الكريم على مبدأ التيسير في تشريع الصيام، وجاء التصريح بذلك وسط آيات الصيام، قال تعالى: (…يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ…).
وجاء ذلك بعد الترخيص لأصحاب الأعذار الطارئة بسبب المرض أو السفر بإباحة الإفطار لهم، ويقضي كل واحد منهم هذه الأيام بعد رمضان.
كما جاء ذلك عقب إسقاط الصيام عن أصحاب الأعذار الدائمة بسبب فقد القدرة عليه نهائيًّا وعدم إطاقتهم الصوم، وجُبر سقوط الفريضة عليهم بالفدية، فقال تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ).
فشرع الرخصةَ لأصحاب الأعذار الطارئة والدائمة وفي ذلك عنايةٌ بأصحاب الأعذار والمرضى والمسافرين، وجبرٌ لخواطرهم، ومراعاةٌ لمشاعرهم، وتطييبٌ لنفوسهم حين أفطروا ولم يصوموا.
وفي هذا تعليمٌ للأمة بأن ترعى حقوق الضعفاء والمرضى، وتقدِّم حقهم، وتجعل لهم الأولوية، ولا تجعلهم في ذيل اهتماماتها.
لذلك قال سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه): “الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه”.
كما أنَّ الاهتمام الإلهي بالضعفاء يأتي مراعاةً لجانب المنكسرين في الأمة، حتى يكون الضعفاء قوَّةً للمجتمع، وبُناةً له، وسواعد لنصره وتقدُّمه، محبِّين له، باذلين نفوسهم في خدمته، ولا يكونوا عالةً عليه أو معاول لهدمه ( ). (أ.د/ سلامة داود: الأعذار المبيحة للفطر في رمضان – برنامج بلاغة القرآن والسنة – رمضان 1446 هـ – قناة الناس، بتصرف)
لماذا جاء الصيام بين الإيمان والتقوى؟
يقول الحق تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (البقرة: 183 – 187).
هذه هي آيات الصيام، وقد استفتحت بالترغيب في هذه الفريضة قبل بيان أحكامها.
واستخدمت في الترغيب أكثر من أسلوب: من ذلك:
– البدء بهذا بالنداء المحبب إلى القلوب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا).
– وأن هذه الفريضة لم تفرض على المخاطبين فقط، وإنما فرضت على مَن قبلهم، مما يوجب التنافس والتسابق في أداء هذه الفريضة.
– وان المقصد الأسمى والأعلى من مشروعية هذه الفريضة هو التقوى وهي سبب الرشاد والصلاح والفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
– وأن هذه الفريضة ليست فيها مشقة بل فرضها الله (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) يتخلص فيها من ضرر فضول الطعام والشراب والوقاع، فيصح جسمه، ويعتدل مزاجة، ويقهر نفسه، ويملك زمامها.
قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة: 185) ( ).(الشيخ عبد العظيم بدوي: آيات الصيام)
السر:
أما عن السر في مجييء أيات الصيام بين الإيمان والتقوى فإذا كان الإيمان أمرًا سريًّا، وكانت التقوى أمرًا سريًّا، وكان الصيام أمرًا سريًّا، فناسب ذلك أن يأتي الصيام بين الإيمان والتقوى؛ لأنَّ الثلاثة أمورٌ سرّيَّة لا يطَّلع عليها إلا علام الغيوب.
ولذلك قال مولانا في الحديث القدسي (كلُّ عمل ابنِ آدمَ له، إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزي به) ( ) (أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.). (متَّفق عليه) لأنه عبادة سرية بين العبد وبين مولاه تعالى
ولماذا جاءت آية الدعاء بين آيات الصيام؟
إذا نظرنا إلى قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186)، فسنجد أن الآية التي قبلها: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ…) والآية التي بعدها: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ…).
ولهذه الآية قصَّة.. لقد جاء أعرابي إلى سيدنا رسول الله (ﷺ) يسأله: يا محمَّد، أقريبٌ ربُّنا فنُناجيه أم بعيدٌ فنُناديه؟ وقبل أن يُجيب (ﷺ) كان أمين وحي السَّماء يجوب الآفاق بقول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186).
وهذه الآية بالذَّات اختلفت عن جَميع آيات السُّؤال الموجَّهة إلى سيدنا رسول الله (ﷺ) فأيّ سؤال وجِّه إلى النبي (ﷺ) في القرآن جاءت الإجابة: قل، (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) (البقرة: 217)، (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا، وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (البقرة: 219)، (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) (البقرة: 189)، (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا) (طه: 105)، (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (الإسراء: 85).
أمَّا آية الدعاء: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) فلم يقُل: قل لهم يا محمد إنّي قريب، إنَّما تولَّى الله الإجابةَ بنفسه، وقال: (فَإِنِّي قَرِيبٌ) لأن الله تعالى أقرب إلينا من أنفسنا بل اقرب إلينا من حبل الوريد، حاءت هكذا حتى لا يكون بين العبد وبين الله أيُّ واسطة في الدُّعاء، فإذا سألتَ فقُل: يا الله، وإذا استعنتَ فقل: يا الله، إذا جلستَ على فِراش المرض فقل: يا الله، وإذا نابك هم أو بلاء أو وباء فقل يا الله..
وجاءت آية الدُّعاء بين آيات الصيام أيضا لأن النبي (ﷺ) قال: (إنَّ للصَّائِم عند فطره دعوةً ما تُرَدّ) ( ) فاللهم ارفع عنا وعن الأمة البلاء والتحديات بما شئت وكيف شئت وأنى شئت يا رب.
*
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا الصِّيَامَ وَالقِيَامَ وَصَالِحَ الأَعْمَالِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ… اللَّهُمَّ أَدْخِلْ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَهْلِيكُمْ وَأَنْجَالِكُمْ وَأَحْفَادِكُمْ وَذَرَارِيكُمْ أَجْمَعِينَ الفَرَحَ وَالسُّرُورَ وَالحُبُورَ، وَالسَّعَادَةَ العَامَّةَ التَّامَّةَ الكَامِلَةَ الشَّامِلَةَ الدَّائِمَةَ المُسْتَقِرَّةَ المُسْتَمِرَّةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ… نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ لَنَا وَلِأَوْلَادِنَا، وَلِمُجْتَمَعِنَا وَلِشَعْبِنَا.
اللَّهُمَّ احْفَظْ مِصْرَ شَرْقَها وَغَرْبَها، شِمالَها وَجَنوبَها، طُولَها وَعَرْضَها وَعُمْقَها، بِحارَها وَسَماءَها وَنِيلَها، وَوَفِّقْ يا رَبَّنا قِيادَتَها وَجَيْشَها وَأَمْنَها وَأَزْهَرَها الشَّرِيفَ، وَعُلَماءَها، وَاحْفَظْ شَعْبَها، وَبِلادَ المُحِبِّينَ يا رَبَّ العالَمِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبارِكْ على سَيِّدِنا وَمَوْلانا مُحَمَّدٍ، وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
خادم الجناب النبوي
خادم الدعوة والدعاة د/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
واتس آب: 01122225115 بريد إلكتروني: [email protected]
متابعة الصفحة الرسمية، وعنوانها: (الدكتور أحمد علي سليمان)؛ يضمن لك كل جديد https: //www.facebook.com/drahmedalisoliman/
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف